علم الكلام الإسلامي دراسة في القواعد المنهجية
Methodology of Ilm-al-Kalam : Principles for Elicitation and Justification of Believes
بالتزامن مع ظهور النزاعات العقدية واختلاف الرؤى الكونية عند المسلمين؛ نشأ علم يتناول المباحث العقدية، وسمي هذا العلم بأسماء عدة نحو: علم العقائد، الفقه الأكبر، علم الكلام، علم التوحيد والصفات، وعلم الأصول. وأشهر هذه الأسماء هو علم الكلام. وقد وردت تعاريف عدة لهذا العلم خلال سيره التاريخي، ويمكن ملاحظة النظريتين الأساسيتين تجاه علم الكلام بنحوٍ كلّي: ففي القرنين الأول والثاني بعد الإسلام، طرح علم الكلام كعلم يراد منه الدفاع عن المعتقدات الدينية. وفي المقابل كان يُطلق علم الفقه على كل المعارف الدينية المستنبطة من الكتاب والسنة. وعلى هذا الأساس، كانت وظيفة علم الفقه تكمن في استنباط المعارف العقدية، الأحكام الشرعية والمسائل الأخلاقية. وكان علم الكلام، يتصدى للدفاع عن تلك المعارف. وقد قسموا الفقه إلى الفقه الأكبر و الفقه الأصغر استناداً إلى هذه النكهة العلمية، حيث أرادوا بالفقه الاكبر علم الكلام. وأن أغلب تعاريف علم الكلام ناظرة إلى هذا التعريف المذكور أعلاه، فعلى سبيل المثال نرى الفارابي يعرّف علم الكلام بأنه: صناعة الكلام ملكة يقتدر بها الإنسان على نصة الآراء والأفعال المحمودة التي صرّح بها واضع الملّة، وتزييف كل ما خالفها بالأقاويل. وقد تلقى علماء القرون اللاحقة هذا التعريف بالقبول. فها هو اللاهيجي يقول: الكلام علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيرادالحجج ودفع الشبه. أما النظرة الثانية إلى علم الكلام فقد نشأت في القرن الثالث تقريباً وما بعد، وشاعت بعد ذلك في الأوساط. وفي هذه النظرة، يظهر علم الكلام أنه تكفل استنباط المعارف وتولى الدفاع عنها. وليس المراد من المعارف في هذه النظرة؛ المعارف العقدية والدينية فقط. وفي مقابل هذا التعريف لعلم الكلام، عرّف علم الفقه بأنه علم فهم الأحكام العملية من المصادر الدينية. وبعض تعاريف علم الكلام ناظرة إلى هذا المعنى من علم الكلام. فعلى سبيل المثال، قال في شرح المقاصد: الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية. وتجدر الإشارة أن اقتصارهم في تعريف علم الكلام على ذكر البعد المعرفي فقط، لا يدلّ على رفضهم البعد الدفاعي منه، لأنك تراهم في كتبهم قد اهتموا بهذا البعد أيضاً. وحيث أنّ النظرة الثانية إلى علم الكلام هي السائدة اليوم، كان هذا الكتاب ناظراً إليها، وبالتالي، يعرّف المؤلف، علم الكلام، في كتابة هذا بالقول: هو العلم الباحث عن العقائد الدينية اعتماداً على المنهجين العقلي والنقلي، والمسؤول عن تبنيها وتنظيمها وإثباتها استناداً إلى مصادر هذه العقائد، والرد على شبهات المخالفين واعتراضاتهم.وعلى هذا، فقد أشار في هذا التعريف إلى موضوع العلم ومنهجه وغايته. فالموضوع هو العقائد الدينية، والمنهج عبارة عن المنهجين العقلي والنقلي، والغاية هي استنباط العقائد والدفاع عنها، فيكون المؤلف بذلك قد ذكر في تعريفه هذا خصائص العلم الثلاث الأصلية. وعليه، فإن مدار البحث في هذا الكتاب هو منهج علم الكلام والذي يعدّ البحث في مسائله من المقدمات الضرورية في المجال الكلامي. هذ ويمكن الاستفادة في مباحث علم الكلام من بعض الأبحاث الكلامية المذكورة في الكتب الكلامية: القديمة والجديدة. وقد رتب المؤلف مباحث الكتاب على ثلاثة أبواب: استقل الأول منها بمباحث تمهيدية، أمّا الثاني فقد دار الحديث فيه حول منهج الاستنباط وشمل ذلك دراسة للمنهجين العقلي والنقلي. أما الباب الثالث، فقد دار حول منهج الدفاع وهذا المنهج تقلّب بدوره البحث في المناهج التالية: 1- منهج التبين، 2- منهج التنظيم، 3- منهج الإثبات، 4- منهج الإجابة على الشبهات العقدية، 5- ثم منهج ردّ العقائد المعارضة للدين.هذا وينطلق الكاتب في تدوينه لهذا الكتاب من الإيمان بأهمية علم الكلام لسائر العلوم الإسلامية أولاً، ثم من حاجة هذا العلم نفسه إلى التمهيد المنهجي والبحث عن القواعد الأساس التي يجب أن يبنى عليها البحث الكلامي ثانياً؛ فإذا كان الفقه أسس لقواعده في علم خاص عرف باسم علم الأصول، والفلسفة أسست لنفسها بعلم سمي بعلم المنطق؛ فإن البحث الكلامي من حقّه أن يمهد له بدرس قواعد المنهجية وبالبحث عن المصادر التي ينبغي أن يبنى عليها القول في هذا العلم... هذا ما شكل مناط البحث في هذه الدراسة للقواعد المنهجية لعلم الكلام الإسلامي.